تابعت في الأيام الأخيرة كثيرا من الأسئلة التي أثيرت حول الأسباب التي تدفع الإنسان للزواج والإنجاب،

وما يتبعهما من  حقوق  و واجبات، قل من يقوم بها وبتطبيقها دون  إهمال أو تذمر.

لم تكن أي الإجابات حاسمة  فيمكن دحضها وبيان ضعفها، حتى تلك التي تتعلق بدعاء  الولد الصالح لأبيه كان الرد عليها حاضرا من قبل بعض المعترضين عندما قالوا:

  • “يمكنك أن تنتبه لذنوبك و تتوب عنها وتستغفر الله على ما مضى، دون أن تدفع ثمنا هائلا وهو إنجاب وتربية طفل ليفعل هذا نيابة عنك
  • وأنت غير واثق من صلاحه عندما يكبر وتغيب أنت عنه في العالم الآخر”.

كان هذا ردا واحدا من بين الردود التي  ذكرت، وطالت بعض النقاشات حتى وصلت حد الملل،

وزاد السؤال حيرة عندما أضيف لما-معنى-أن-نربي؟ من قبل أحدهم شطر يقول:

  • “لماذا يتزوج وينجب غير المسلمين إذن؟!”.

ربما نضيع وقتا كبيرا لو قلنا أن هناك أسبابا محددة وموحدة للزواج، غير أنه من الفطرة وأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يرفض فكرة البقاء وحيدا،

فهو يسعى لتكوين مملكة وعائلة خاصة به، يقدم لها عمره وقوته وماله ليجد بين أفرادها الحياة التي يحبها وتسعده،

وبالنسبة للمسلم فالأجر الذي وعد به في كل ما يفعله من دعم لأفراد عائلته،

وتحبب إليهم وإنفاق وسعي عليهم، هو أمر تنشرح له النفوس، وتزيد من رغبتها في الإقبال على العطاء والبذل والإصلاح ما أمكن.

وقد لا يكون سؤالنا عن سبب الزواج مهما مقارنة مع ما سننجزه من خلال هذا الزواج،

هل حصلنا على الشريك الصديق الثقة الذي يكون عونا لنا على هذا العالم كما كانت السيدة خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟

 وهل أنجبنا أطفالا أصحاء نفسيا وجسديا، مؤمنين، شجعان، يحبون العمل والبذل ولا يفضلون على رضا الله رضا مخلوق؟

وهل استطعت أن أجعل أسرتي متماسكة متحابة متقاربة؟

 هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن يستحضرها المسلم أمام ناظريه وهو يخطو خطواته في طريق بناء العائلة والتربية،

والإجابات عنها بالإيجاب هي ما يضمن له سعادة الدنيا و الآخرة بالتأكيد.

فما هي التربية؟

للتربية مفهوم واسع جدا قد نختصره بقولنا:

“أن تنشئ إنسانا متوازنا سعيدا مؤمنا تفخر بانتسابه إليك”.

 وهو مفهوم يشير إلى الشخصية والإيمان والأخلاق أولا، ولنا أن نلحظ أن الجزء الذي يتعلق بالجسد أو التعليم

هو جزء بسيط جدا من مكونات الإنسان الكثيرة الأخرى،

وأن علينا إلى جانب اهتمامنا بتغذية جسد الطفل وحصوله على الشهادات الدراسية وحمايته من الأمراض والأذى أن:

  • نهتم بأخلاقه أي باحترامه للآخرين وشهامته وكرمه وحسن تعامله، وابتعاده عن الكذب والغش والحسد والغيبة وغيرها من الأخلاق الذميمة.
  • وأن نساعده على بناء علاقة سليمة راقية مع الله عز وجل فيسارع لعبادته  حبا وشعورا بعظمته تعالى،
  • وأن يثق بربه ويعتز بطاعته  وأن ينظر بعين الرحمة إلى جميع خلقه.
  • ونعينه كذلك على اكتساب الصفات الحميدة كالشجاعة والإقدام والنشاط وحب البذل والعمل وحفظ المال وصون النفس عن الطلب،
  • والابتعاد عن صفات ذميمة أخرى كالتردد والخسة والجبن وغيرها مما يحط من شأن الإنسان، ويخفض من قدره.
  • وأن نجعل له هدفا يعيش لأجله، فلا تحبطه هموم الحياة ولا تثنيه عن متابعة سيره بروح قوية صلبة، وأن يكون الهدف متعلقا بالله،
  • وفي نفس الوقت أن تكون غايته إعمار هذه الأرض ومساعدة الخلق.
  • وأن نهيئه بكل تأكيد لمواجهة هذه الحياة بكل ما فيها من مصاعب ومتاعب وأزمات عبر تسليحه بإيمان راسخ أولا،
  • ومن ثم دعم مهاراته وهواياته ومساعدته على إبرازها،
  • فنيسر له إيجاد العمل المناسب الذي يؤمن له متطلبات حياته فيما بعد، ويضمن له النجاح بممارسته ،
  • مع قدرته على تطوير نفسه واستمراره فيه.
  • وألا نتوقف أبدا عن دعم رغباته بالقراءة والتعلم والتطور وأن نجعلها أولى أولوياتنا وأسمى أهدافنا ومهامنا في الحياة.
وأخيرا فإن بناء الطفل  مسألة  تحتاج الكثير من الوقت والجهد و المثابرة و القدوة الحسنة  لأن نتائجها  تستحق ما نبذله من أجلها، فلنبادر !

عبير النحاس