اعتدت أن أشجع نفسي على أداء جلسة الاستغفار الصباحية بأن أستعد للأمر قبل النوم، فأملأ إبريقا من الماء الممزوج بالزنجبيل الطازج المبشور وأحتفظ به في الثلاجة ليبرد، بعد أن أتأكد جيدا من ترتيب غرفة الجلوس وزاويتي فيها.

وكنت أضع ركوة القهوة على النار صباحا قبل أن أتوجه لصلاة الفجر في الغرفة، ثم أعود إليها وقد شارفت على الغليان، فأحملها مع الماء البارد جدا نحو مكاني الصباحي المعتاد في الغرفة أرتشفها فيه، قبل تأدية تلك الأوراد التي اعتدتها كالاستغفار وأذكار الصباح وقراءة القرآن لوقت أرتضيه، فأشحن به روحي ليوم كامل.

كانت تلك الطقوس مشجعة بالفعل! وكان جرس المنبه يرتبط في عقلي اللاواعي بطعم القهوة وماء الزنجبيل والراحة النفسية وأكوام الحسنات التي تجعلني أقفز من سريري بنشاط مهما تأخر بي السهر ليلا!

وكنت قد تعلمت هذا النوع من جذب الذات إلى الأعمال التي تهرب منها من والدتي. حيث كانت تعمد إلى ربط كل عمل تريدنا أن نعتاد على القيام به بأشياء نحبها، فتدفعنا إليه دفعا!

مثلا، كانت متعة شرب الشاي الساخن بالليمون أو الهيل بعد الغداء ساحرة جدا، يسبقها إصرار من والدتي على ضرورة غسل الأطباق وتنظيف المطبخ وترتيب الغرفة قبل أن تجمعنا على شايها اللذيذ وأحاديثنا المرحة. فكانت المهام المملة تُنجَز بهمة وسلاسة في انتظار الحدث السعيد.

اعتدنا أيضا أن ننال مكافأة يومية مقابل إنهاء واجباتنا المدرسية. فكانت تُجَهزها في اليوم التالي، بينما تقوم بإعداد الطعام في المطبخ. فتدخل علينا -بعد أن تتأكد من أننا انتهينا من دروسنا ووظائفنا وقمنا بإعداد حقائبنا ورتبنا الغرف- بطبق ساخن من الفشار أو البطاطس المقرمشة أو الكعك الشهي الذي تتفنن في إعداده. ونبدأ معا سهرتنا الممتعة ونحن نتابع برنامجا من برامجنا المفضلة.

ولم أنس يوما رشفات قهوتها الساخنة جدا في المساء. وحتى تلك المأكولات الخفيفة التي تجهزها لجلسة على الشرفة في عصر أيام الصيف الجميلة.

كان كل شيء بجوارها ممتعا حقا! وهو ما حاولنا جميعا أن نعيده في بيوتنا نحن بناتها الأربع. فكنت أركز على ربط المتعة بالعبادات التي أريد أن يعتادها أطفالي وأفعل ذلك مع عباداتي أولا تشجيعا لنفسي.

ابتسمت طويلا في ذلك اليوم الذي أخبرتني فيه ابنتي وهي تتأمل ركوة القهوة الجديدة الصغيرة التي بدأت باستخدامها، بأنها لا تحب تلك الركوة لأنها تشعر أن سعادتي لن تكتمل دون ثلاثة فناجين كاملة كانت تؤمنها لي ركوتي القديمة في جلستي اليومية الصباحية. ابتسمت حقيقة لأن شعوري بالسعادة في تلك الجلسات قد وصل إلى طفلتي بالفعل، وعرفت قيمة ما أشعر به، وقد بدأت بالجلوس معي حينها.

وقد اعتاد أولادي على تقليدي في الأمر. فكنت أراهم وهم يحملون كاسات العصير لتكون بجانبهم يرتشفون منها بين ركعات التراويح فأبتسم بصمت.

ربما هي أمور صغيرة نقوم بها كآباء، لكنها مؤثرة بشكل لا يصدق على شخصيات أطفالنا وما يحبونه ويعتادونه. ومن المهم جدا أن نستفيد منها في جعلهم يقبلون على العبادات ويعتادون على أدائها باستمتاع. ويكون ذلك بالسماح لهم بربط العبادة بأشياء يألفونها ويجدون متعتهم فيها.

قد يبدأ الأمر بإعداد جلسات الطعام والشراب أثناء أو بعد العبادة…

وربما تحصل المتعة بأن نجعل للطفل مكانا مخصصا لصلاته وحفظه وقراءته للقرآن فنزينه ونرتبه وننظفه برفقته. فيشعر فيه بالخصوصية والتقدير الممزوجين بالمتعة.

وتحصل المتعة أيضا، بأن ندعم جلسته بوجود من يجبهم من أصدقائه في أجواء ودية جميلة. 

كما يمكن أن نجد لهم ألعابا تحرك الذهن وتسعد النفس ونمارسها معهم في المنزل أو المسجد كفواصل في الجلسات.

وكذلك برمجة حصص للإنشاد والترفيه. 

أو دعما لمواهبهم في الرسم والكتابة أو الزخرفة وغيرها من المواهب.

ومن الأهمية بمكان دمج المتعة بالعمل الجاد، ريثما يعتاده الطفل ويستمتع به منفردا. وقد لا يحتاج للتخلي عن ما يمتعه ما دام لن يُنقِص من أجره شيئا.

فلنعتن بأولادنا ونحاول إسعادهم ولنجعل العبادات متعة لهم قبل كل شيء آخر.

عبير النحاس