البناء التربوي لا يكتمل بمجرد وضع النظرية أو القاعدة أو الرؤية، بل يحتاج دائما للجانب التطبيقي الذي يثبت صوابية النتائج ونجاعتها، ويبين المعوقات، ويصف طرق التغلب عليها ..
وتلبية الحاجات التربوية الأساسية للأبناء قد تتعرض لكثير من الأخطاء والنواقص، ما يدعونا للوقوف عندها ولو بوقفات عاجلة مختصرة تصلح أن تكون إشارة وليست تفصيلا لضيق المقام ..
(3) الحاجة إلى الأمان والطمأنينة
فلكي ينجح المحضن التربوي في أداء دوره يجب أن يوفر للأبناء والمتربين قدرا كافيا من الطُّمأنينة والأمان، و التربية التي تفتقر للأمان تترك آثارا سلبية و تخلف أمراضا وعقدا نفسية لدى الأبناء، و لا يخفى على أحد أن الأسرة هي المحضن الأول والأهم في هذا الشأن، لذلك فالأبوان هما المسئولان الرئيسيان و الأولان عن بث شعور الأمان في قلوب أبنائهما، وإشعارهم بالطمأنينة و الثقة.
وأهم ما يشعر الأبناء بالأمان هو مساندة الأبوين، ودعمهم لخطواتهم، وتعبيرهم عن تقدير إنجازاتهم، وإعطائهم الفرصة لإنجاح تجاربهم الحياتية وتكوين مهاراتهم والصبر عليهم في تكرارها والمساندة في لحظات الفشل والإخفاق والانكسار حتى الوصول لخطى النجاح والإنجاز، ويستوي في ذلك الصغير والكبير.
ومما يبث الشعور بالأمان كذلك العدل بين الأبناء، وعدم التفريق بينهم، ونشر روح الرحمة والرفق، وتنقية البيت من مشاعر الغضب والصراخ، وكذلك بث روح المسامحة وعدم الإصرار على معاقبة المخطئ على كل خطأ صغير، بل العفو والصفح مع التوجيه والنصح والتقويم وغيرها من القيم الفاضلة… والثقة في الأبناء توجد الطمأنينة وتقوم الشخصية وتنبت الرجولة، وتبعث على الثقة في النفس، بالإضافة إلى تقدير الآراء والأفكار مهما كانت بسيطة و صغيرة.
إن الاهتمام بما سبق وغيره مما لا يتسع المقام لذكره، معين مهم على تربية شخصية جادة شجاعة، ومساعد بالغ الأثر لتجنب الأخلاق السلبية كالتردد والعناد والانطواء وغيرها…
(4) الحاجة إلى الاهتمام والمحبة
هذا النوع من الحاجات يُخطئ كثير من المربين في فهمه وتطبيقه فيتصورون أن الحاجة إلى الاهتمام والحب معناها تلبية جميع رغبات الأبناء، والحرص على عدم إغضابهم، وكثرة الالتصاق بهم، والمبالغة في معاملتهم برفق مهما ارتكبوا من مخالفات، وهي مفاهيم خاطئة و أثبتت فشلها التام.
فلا شك أن الأبناء في حاجة للقرب والمصاحبة والمصادقة والمعايشة والحوار والمناقشة وتبادل الأفكار، ومشاركتهم في اللعب صغارا، و في المواقف المختلفة شبابا وكبارا.
وإنما أرجو أن تكون الاستجابة لتلبية الحاجة إلى المحبة والاهتمام، مبنية على أسس علمية، و ثقافة قائمة على المعرفة والفهم التربوي لا على المشاعر الهشة و العواطف الفياضة…
فبوسعنا أن نظهر معنى الاهتمام بالأبناء من دون تدليل مفسد لشخصياتهم، ولا ترقيق بالغ يضعف نفوسهم في مواجهة الحياة.
إن الأصل فيما أريد توضيحه هنا هو توصيل معنى العطاء للأبناء، ورفض معنى البخل سواء بالمال أو بالوقت أو بالاهتمام .
فنحن نعطيهم من المال، ولكن هل نعلمهم كيف ينفقونه؟ وكيف يدخرون بعضه؟ وكيف يستغلون هذا المال في ﺴﺒﻝ اﻟﺨﻴر اﻟﻤﺘﻨوﻋﺔ كمساعدة المحتاجين مثلا
وبالتالي فتحديد العطاء في المال يكون تحديدا واعيا لا يترك في نفس الأبناء معنى البخل، بل يعينهم على استشعار معاني الشكر والامتنان للوالدين، ويشجعهم على الإيثار والصدقة و مد يد العون للغير
وقس على ذلك شتى مطالب الأبناء، فلنشعرهم باهتمامنا بمطالبهم، شرط أن تكون نافعة و هادفة، و ضرورية، وأن تكون لها أولوية، وألا تكون مجرد شهوة نفسية للشراء أو الامتلاك أو لتقليد الآخرين، بل لهدف واضح و نافع، مع تقديرهم وتفهمهم لإمكاناتنا و ظروفنا …
حينها فقط سنلبي رغباتهم قدر استطاعتنا، وههنا معنى هام أيضا هو معنى الحزم، وأريد أن أقول أن المربي الناجح هو الذي يستطيع أن يجمع بين العطاء والحزم وبين الاهتمام والتقويم، وبين الحرية والمتابعة، ويجب أن يستخدم الحزم استخداما ناجعا، لئلا يتحول لضغط وترهيب وتخويف، فالحزم يعني الدعوة لاحترام الخطوط الحمراء التي سبق وبينها المربي في بنائه للقيم والمبادىء .
رابط الموضوع الأصلي: http://almoslim.net/node/281086
اترك تعليقك