كثيراً ما تسأل الأم المسلمة في ديار الغرب: كيف أربي أولادي على القيم الإسلامية فى مناخ يخالف الإسلام وينحي الدين ويقدس المادية والفردية واللذة، مما يشكل ضغطًا متزايداً ومزعجاً على الآباء والأبناء من الجاليات المسلمة ويدفعهم إلى الحيرة والتساؤل: ما السبيل؟

بادئ ذي بدء  لابد أن نقرر أن التربية الإسلامية هي المنقذ الوحيد لأولادنا من الذوبان وفقدان الهوية، بل هي ضرورة حتمية وفريضة شرعية يتحمل عبء القيام والنهوض بها: الأسرة-المؤسسات الإسلامية-الجالية المسلمة.

ونقصد بالأسرة: الدور المنوط بالوالدين لتربية أبنائهم تربية صحيحة سليمة كما أمر الله: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [التحريم، الآية 6].

أما المؤسسات الإسلامية فهي كل تجمع مؤسسي يقوم على أسس إسلامية تعين الأسرة المسلمة في استكمال دورها، ويأتي المسجد أو الجامع على رأس تلك المؤسسات لعظم دوره الحياتي والتربوي، ويتساند مع هذا الدور ما تضطلع به المراكز الإسلامية التي تشتمل على مناشط اجتماعية متكاملة، مثل: المكتبة ومكاتب التحفيظ ومحاضن الطفل، إضافة إلى المدرسة الإسلامية المعنية بتدريس مناهج ومقررات باللغة العربية.

أما دور الجالية المسلمة في تعزيز وتأكيد البعد التربوي لدى أبنائها فيتمثل في أهمية تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأسر المسلمة عن طريق الزيارات المنظمة والمناسبات الدينية (رمضان-العيد-المواسم) والتجمعات الثقافية (الرحلات-المخيمات-الملتقيات الثقافية) إضافة إلى الأنشطة الترويحية والرياضية المتعددة.

إذن فمسؤولية تحصين أولادنا من الإصابة بأعراض الاحتكاك والتعايش مع الثقافة والواقع الأوربي وأمراضه وأخطاره هي مسؤولية مشتركة بين هذه الأطراف السابق ذكرها وإن كان كل منها يتحمل مسؤوليته المنوطة به كاملة أمام الله I ولا يعفيه منها إن قصر الباقي، وإن كنا نسأل الله أن يعين الجميع على القيام بأداء تلك الأمانة، وتلك الرسالة.

نعود إلى نقطة البداية، إلى تساؤل الأم وهي تضع يدها على قلبها خائفة حذرة: كيف أربي أولادي؟ إنها جادة ومتلهفة كجدتها المؤمنة: أم موسى؛ حيث لم يخيب الله ظنها فرد إليها طفلها الحبيب ليتربى في حجرها وتباشر رعايته وحمايته على هدى من الله وبصيرة، ولتكن قدوة للأمهات الصالحات أن أرضعن أولادكن الحق والخير وتقوى الله، وأن الزمن فلذات أكبادكن الصراط المستقيم ليعبدوا الله ويمكنوا لدينه في الأرض: )وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ( [الحج، الآيتان 41،40].

ولكن قبل أن تسأل الأم: كيف أربي، عليها أن تعرف الإجابة عن: لماذا أربي؟ ثم تحدد: متى أربي؟

جملة تساؤلات إجابتها واضحة ومحددة كما سيأتي

لماذا أربي؟

عندما أقود سيارتي يجب أن يكون لديَّ علم مسبقًا بالغاية التي سأصل إليها أو الهدف الذي أريد من ورائه أن أصل إلى مبتغاي وإلا كان التخبط والحيرة والقلق والعبث هو سيد الموقف، والنتيجة: الفشل والضياع. وهكذا الحياة فقد خُلقت لغاية محددة: (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات، الآية 56].وهذه الغاية هي العلامة الوضيئة الوحيدة في الطريق الذي حدده الله لنا:) وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ(  [الأنعام، الآية 153]. ولقد كرم الله الإنسان للسير في هذا الطريق فأحسن خلقه: )لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ( [التين، الآية 4]. وزاده تكريمًا وتمييزًا عن باقي المخلوقات وحباه نعمة العقل ثم أنزل له الدين ليرشد ويحكم حركة العقل في تطوره ونموه وتباينه بين الناس، وكان من أفضل ما أنعم به عليه أن وضح له الدين (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلامُ) [آل عمران، الآية 19]. وفصل له أحكامه وتفاصيله وترك له حرية الاختيار: )وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ( [البلد، الآية 10]. ليتحمل المسؤولية كاملة عن نتائج هذا الاختيار: )لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ( [البقرة، الآية 256]. وربط الاختيار بالعمل، وميزان قبول العمل: صلاحه كما حدده الله تعالى في البلاغ القرآني والبيان النبوي لهذا البلاغ؛ لأن الذي سيحاسب هذا الإنسان المكرَّم المستخلف هو الله تعالى: هذه هي الغاية وهذا هو الطريق الذي يحفل بمحطات تحمل لافتات أهداف مرحلية، فعندما كنت طفلة كان هدفي في تلك المرحلة أن أكون مسلمة أو هكذا أُريد لي: ‘مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ'[رواه مسلم]. ولما بلغت مرحلة الصبا أصبح الهدف واضحاً: التزود بالعلم والتعرف على الأدوار التي بجب القيام بها في الحياة، ولأنتقل من دور البنت البارة إلى دور الزوجة الصالحة إلى دور الأم القدوة.

الذي يهمنا الآن هو دور الأم القدوة: كيف أحقق الهدف من تلك المحطة، وكيف أقوم بدوري كما يجب ؟

إن سيارتي تحفل بوجود أولادي أيضًا، المؤشر يتجه إلى الغاية، إنها واضحة لي ولهم ويجب أن نسعى جميعاً لتحقيقها، يجب أن آخذ بيد أولادي إلى الله، الحياة بكل ما سخر الله لنا فيها من إمكانيات وسائل تساعدنا حتى نصل إلى غاياتنا، وفي الطريق لتحقيق الأهداف المرحلية يجب أن أكون على حذر من الضباب الذي قد يحجب الرؤية، لا لن يحجب الرؤية: الغاية واضحة والأهداف محددة والوسائل مميزة، لقد عرفت الطريق، ولماذا أربي؟ إنها الأمانة،  والمسؤولية ‘ألاَ كُلّكُمْ رَاعِ وكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيّتِهِ: فالأمِيرُ الذي على الناسِ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عن رَعِيّتِهِ، والرّجُلُ رَاعٍ على أهْل بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عنهم، والمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ على بَيْتِ بَعْلِهَا وهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُ والعبد راع على مال سيده وهو مَسْؤولٌ عنه، ألاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ وكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيّتِهِ'[رواه الترمذي]. لا خيار أمامي: التربية الصالحة من أم مَسْؤولَةٌ ليس لها جزاء إلا الجنة، ولكن كيف أربي

كيف أربي؟

يدخل التلميذ المدرسة ويسأل نفسه: كيف أتعلم؟ والذي لا شك فيه أنه لن يتعلم بدون منهج واضح المعالم وإلا لحقه الفشل ولفظته تلك المدرسة . و و لأن التربية مدرسة، فيتوجب على الأم أن تعرف المنهج الصحيح كي تقوم بأداء رسالتها فتسلك أفضل الطرق للوصول إلى غايتها.

إن المنهج التربوي واضح ويقوم على قواعد ثابتة كالآتي:

1-جوانب

2-أساليب

3-وسائل

4-مهارات

أما أهم الجوانب المطلوب معرفتها والقيام بها:

1-    الجانب الإيماني:

وفيه تغرس الأم العقيدة الصحيحة التي ترتكز على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، كما تبين لأطفالها الفرائض والعبادات وأحكامها من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج، وتوضح لهم أن العلاقة مع الله لا تنفصل عن العلاقة مع النفس والمجتمع وأن الدين الصحيح يتمثل في حسن المعاملة، بما يعني التدين الحقيقي الذي يضبط الشعور والوجدان والسلوك في صورة حيوية جميلة متوازنة تجعل كل أقوال المسلم وأفعاله تتجه إلى الله: (قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام، الآيتان 163،162]. وهذا لا يتأتى إلا بربط الاعتقاد بالجزاء الذي سيوافيه يوم القيامة: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ *ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ) [الزلزلة، الآيتان 8،7].

2-الجانب الأخلاقي:

وهو الوجه الآخر للعملة (الإيمان) لأن تحقق مكارم الأخلاق في شخصية الطفل هو الواجب العملي الذي تسعى الأم إلى التأكد منه تأسيًا برسول الله : (وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ( [القلم، الآية 4]. ‘إنَّما بُعثْتُ لأُتممَ مكَارمَ الأخلاقِ’ [رواه الإمام مالك]. والأم وهي ترسي قواعد هذا الجانب تعمل على خطين متوازيين:

الأول: غرس المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية: (مثل الصدق والأمانة والوفاء وحفظ اللسان والشجاعة والمروءة والكرم والرحمة والعفة والتواضع والإخلاص والإتقان والنظافة والنظام).

والثاني: التنفير من الرذائل وما يستتبعها من سلوكيات لا يقرها الإسلام، ولا يتهاون فيها.

3-الجانب العقلي:

ولأن العقل هو مناط التكليف عند الإنسان فمن الواجب على الأم أن تعرف وتنمي المهارات العقلية للأولاد من تأمل وتفكر وتذكر واستنباط وغيره، وذلك بالاستزادة من المعرفة عن طريق القراءة واستخدام وسائط التكنولوجيا المتعددة، وفي أبرز جوانبها أيضًا التحصيل المدرسي شريطة ألا يختزل النشاط العقلي في هذا الجانب لتحقيق طموحات فردية أو رغبات يثبتها الأبوان لدى طفلهما على حساب باقي الأنشطة العقلية والمطلوب من الأم أن تنمي سعة الذكاء لدى طفلها في كافة جوانبه: (الذكاء الاجتماعي، الذكاء الحركي، الذكاء الإبداعي، الذكاء التجريدي). وأن تركز دومًا على أهمية نعمة العقل ودوره في تحقيق غايات الإنسان والمجتمع والناس: ‘أفلا يعقلون’!

وأن تربط الطفل بالمكتبة وتحرص على حضوره الدوري للمسجد والملتقيات الفكرية والثقافية مستمعًا ومشاركًا أيضًا.

4-الجانب الجسمي:

إن وعي الأم بأهمية العناية بصحة البدن وإعطائه حقه ‘إنَّ لبدنكَ عليْكَ حقًا’ [رواه الهيثمي في مجمع الزوائد]. لمن ضرورات الحفاظ على السواء النفسي للشخصية، وهذا يتطلب منها الاهتمام بالتغذية السليمة والمتوازنة لطفلها ‘مَا مَلأَ ابْنُ آدمَ وعاءً شرًا منْ بطنٍ’ [رواه أحمد]. وطلب التعافي والعلاج في حالة السقم والمرض‘تَدَاوَوْا، عِبَادَ اللهِ'[رواه ابن ماجة]. مع الحرص على تنشيط الجسم بالرياضات المناسبة (السباحة والرماية وركوب الخيل) وتوضيح الهدف من التربية الجسمية: ‘الْمُؤْمِنُ الْقَوِيّ خَيْرٌ وَأَحَبّ إِلَىَ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضّعِيفِ’ [رواه مسلم]. وتجنب كل ما يضر بصحة الجسم مع الأخذ بأسباب الوقاية دائمًا، والانتباه إلى مسألة التدخين أو تعاطي المسكرات والمخدرات والتنفير منها. كما  يتوجب على الأم أن تؤكد على أهمية نظافة البدن وطهارته وضرورة الحفاظ دائمًا على نظافة الأسنان واليدين وتقليم الأظافر والاعتناء بالشعر والملابس والأماكن إضافة إلى متابعة اعتدال أجسام أبنائها في المشي والجلوس.

5-الجانب الجنسي:

عندما تعي الأم أن الغريزة الجنسية فطرة مشروعة عند الإنسان زوده الله بها لحفظ النوع البشري والتكاثر إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، عندما تعرف الأم ذلك وتتعرف على مقاصد التربية الإسلامية في الجانب الجنسي من ضبط وتنظيم لا كبت أو غموض، عندها فقط ستتدرج في تعليم طفلها مبادئ التربية الجنسية  خلال مراحل نموه المتعاقبة ، مثل: (آداب النوم وحدود اللباس والعورات وآداب الاستئذان والحمام وغض البصر والبعد عن المثيرات وأحكام الطهارة وأحكام البلوغ والصوم وتفريغ الطاقات الجسدية والعقلية بالرياضة والأنشطة المتعددة والتعفف) وهذه المبادئ الوقائية تحصنه وتهذبه حتى يصل إلى الإطار المشروع (الزواج) كما تحرص الأم على تعريف أبنائها-خاصة البنات-بخصائص مرحلة المراهقة وأحكام البلوغ والاحتلام وتركيبة الجهاز التناسلي والأمراض التي تصيبه، وتوضح أضرار الممارسات الجنسية غير الطبيعية (مثل الاستمناء) مع الانتباه إلى كيفية نوم أولادها ويفضل ألا يخلدوا إلى السرير إلا وهو جاهزون للنوم تماماً قدر المستطاع.

6-الجانب الاجتماعي:

تهتم التربية الإسلامية بتنشئة الفرد المسلم تنشئة سوية متوازنة يدرك من خلالها أن له حقوقاً وعليه واجبات أيضًا في الدائرة الأسرية والدائرة المجتمعية، وترتيب تلك الحقوق والواجبات وتعميقها في ذهن الطفل من أولويات التربية التي تباشرها الأم، فإن عليها توضيح حق: الأم والأب والأخوة والأقارب والأرحام والجيران والأصدقاء والزملاء والكبير والصغير والضعيف والمعلم والمريض والعالم والخدم والمختلف في الدين والرأي وحق الكائنات والأكوان. كل هذه الحقوق ترتب بشكل سلس وتُربط بالجزاء المرتقب عند الله، إحساناً أو تقصيراً، ومن ثم فإن تنمية المهارات الاجتماعية من التواصل والانفتاح والتعاون حتى تصل بالطفل إلى فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من أهم ما يجب أن تنتبه له الأم كي يشب طفلها على السواء النفسي المطلوب، إضافة إلى غرسها في أولادها أهمية متابعة أخبار المسلمين والاهتمام بقضاياهم ومتابعة الأحداث الجارية ومناقشتها أو تكوين رأي فيها.

كانت هذه أهم الجوانب التربوية التي يجب أن تؤخذ في الحسبان ونحن نربي أولادنا ونرسي الدعائم الأساسية والركائز الضرورية في أنفسهم.

أما عن الأساليب التي تساعد الأم في تعميق تلك الجوانب في نفسية طفلها وتتماشى في آن واحد مع حاجات الطفل الأساسية فمن أهمها:

1-أسلوب اللعب:

غني عن التعريف ما لأسلوب اللعب من فوائد جمة تعود على الطفل وتحقق في الوقت ذاته أهداف التربية، وتستطيع الأم من خلال اللعب بأنواعه المتعددة أن تعمق لديه تلك الجوانب.

2-أسلوب السؤال:

وهو من الأساليب التربوية المؤثرة بما يحمل من جذب للانتباه والتركيز في الإجابة والتشويق والتحفيز للمعرفة: ‘القارعة، ما القارعة، وما أدراك ما القارعة'[القارعة، الآيات 1-3]، ‘أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟'[رواه الترمذي].

3-أسلوب ضرب الأمثلة:

لتقريب المفاهيم وتأكيد القيم وتقريب القياس العقلي و الاستفادة من العظة والعبر،  (وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ) [العنكبوت، الآية 43]. (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا…..) [التحريم، الآية 11]. والأحاديث: ‘مَثَلُ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ'[رواه مسلم]. و’مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ’ [رواه مسلم].

4- أسلوب التوضيح والتبسيط:

وتبيان الحكمة أو تغيير القناعة [حديث الرجل الذي بال في المسجد] وحديث الشاب الذي جاء ليستأذن الرسول الكريم  صلى الله عليه و سلم في الزنا، وتقريب الرسول صلى الله عليه و سلم له نفسياً وجسميًا (ادن مني) ثم التدرج به من نقطة لأخرى موضحاً ومعقباً إلى أن يدعو له: ‘اللَّهُمَّ كفِّر ذَنْبه وَطَهِّر قَلْبَه وحَصِّنْ فَرْجَه’ [رواه الطبراني].تأكيداً على أسلوب الدعاء بالخير أيضًا.

هذه بعض الأساليب التربوية التي يمكن الاستعانة بها في تعميق الجوانب التربوية في نفسية الطفل؛ إضافة إلى استخدام الوسائل المتاحة في شرح وتوضيح المبادئ والجوانب التربوية أيضًا، من تلك الوسائل:

1-التربية بالقصة:

وهي من أكثر الوسائل جاذبية وتأثيراً في نفوس الأطفال وحتى الكبار، والقرآن الكريم حافل بجملة من القصص ذات الأبعاد التربوية الرائعة، مثل: قصص الأنبياء، وقصص الأمم السابقة، وقصص الأفراد المؤمنين والعاصين وكذلك السيرة النبوية ذاخرة بالقصص الهادفة لتربية وتنشئة الأفراد على التذوق والفهم الصحيح لأحداث القصص ونتائج مستفادة ودروس وعبر. ويمكن للأم أن ترتب تلك القصص حسب المراحل العمرية والقابلية الذهنية وتتفاعل مع أطفالها وهي تحكي تلك القصص وتتمثل العظات والعبر، وما أكثرها.

2-التربية بالموعظة:

وهي وسيلة مباشرة للتوجيه تؤتي ثمارها إذا صادفت التوقيت المناسب والظرف الملائم لنفسية الطفل، وقصة سيدنا لقمان وهو يعظ ابنه من أروع تلك الشواهد، والأحاديث كثيرة منها: ‘إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ'[رواه الترمذي]. و’يَاغُلاَمُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ’ [رواه ابن ماجة].

3-التربية بالحوار:

ليس الحوار ترفًا، بل ضرورة حياتية قبل أن يكون ضرورة تربوية، وهذا يتطلب من الأم مهارات الاستماع الفعال وإدارة الحوار بطريقة علمية حتى يكتسب منها الطفل هذه المهارات وينشأ على احترام الآخر، ويفرق بين الثوابت والمتغيرات في المفاهيم والأحكام، ويتعامل مع الناس من منطلق الثقة في النفس واحترام الذات وتقدير آرائهم وموازنتها واستخلاص أفضلها، والقرآن والسنة تزخر باستخدام تلك الوسائل: (حوار موسى وفرعون- حوار إبراهيم وقومه- حوار الرسول صلى الله عليه و سلم  مع أهل الكتاب- الحوار النبوي مع أبو الوليد).

4-التربية بصور الثواب والعقاب:

حيث تدعم الأم الجانب الإيجابي بالإثابة وتنفر من الجانب السلبي بالتلويح بالعقاب أو إنزاله بقدر ما تستدعيه الضرورة وبصورة لا تجرح من كرامة الطفل أو تهين شخصه، بل تندد بالسلوك الخاطئ فقط: (أصحاب اليمين- أصحاب الشمال-مثل الفريقين).

5-التربية بالأحداث والمواقف:

وهي من الوسائل التي استخدمها القرآن لتربية الأفراد والأمة: (سورة الأحزاب-الفتح-الأنفال) والتعليق على الأحداث والمواقف المعيشية وكيفية الاستفادة من دروسها، وتستطيع الأم أن تنتهز الأحداث التي تقع في مجال عملها ومحيط طفلها لتؤكد على معاني وقيم وسلوكيات دون تعسف أو افتعال وتشرك طفلها في استخلاص العبر منها (في الواقع الأوربي نماذج كثيرة وأحداث معيشية يمكن للأم أن تلتقطها وتعلق عليها مقارنة إياها بالتصور الإسلامي السليم).

إن إدراك الأم لعناصر المنهج التربوي يتطلب منها أن تتعرف على المهارات والقدرات الكامنة لدى أطفالها وتساعدهم على استفراغ الوسع ووضعها في مساراتها الطبيعية، فهناك من الأطفال من لديه طاقات ومهارات جسمية يجب معرفتها وتحديد الهدف من التركيز عليها وتنميتها: (ربطه بالغاية والهدف) لتعود بالنفع على الطفل وعلى مجتمعه وأمته، وينسحب الأمر على المهارات العقلية (الذكاءات المتعددة مثلاً) والمهارات الاجتماعية: (البر-التعاون-التواصل مع الآخرين-الخدمات الاجتماعية). وعندما توجد قناعة لدى الأم أن كل طفل لديه طاقة ومهارة واستعداد ما وتحتاج فقط إلى معرفتها وصقلها وتنميتها؛ فإن كثيرًا من المشكلات التي تصل بالأطفال إلى حد الأزمة ستختفي بل سنكسب أطفالاً أسوياء منتجين وفاعلين أيضاً

متى أربي؟

عندما يتجه تفكير الإنسان إلى اقتناء سيارة فإنه يسارع إلى تعلم القيادة ويتعرف على عالم السيارات ويستعد نفسياً وعقلياً لاكتساب أي معلومة أو مهارة تؤهله وتطمئنه في الوقت ذاته للقيادة عن رغبة وفهم وحب، وهكذا الأمر بالنسبة للتربية، إذ ينبغي أن تكون الفتاة مؤهلة لمرحلة الزواج والإنجاب نفسياً ومعرفياً، وعندما تحمل فإنها تدرك أن للجنين حقوقاً أقرها الشرع له (المحافظة عليه من الأخطار ومن الانفعالات العصبية-حق التغذية –حق الرعاية الصحية). وعندما يصبح وليداً فإن سلسلة من الحقوق في انتظاره (الاستبشار به، الأذان والإقامة أول ما يسمعه والتحنيك والعقيقة والرعاية الصحية والرضاعة والحنان واختيار اسمه). وكلما تدرج من مرحلة لأخرى تعددت حقوقه: (التعليم-اللعب-المأكل-الملبس-التأديب-التربية). وتتشكل اتجاهاته وقناعاته في تلك الفترة من عمره، وتلعب الأم الدور الأكبر والرئيسي في تشكيل تلك الاتجاهات وتكاد تكون هي المصدر الوحيد لتعليمه وتقويمه بحكم التصاقها به وحنوها عليه إلى أن يدخل المدرسة، وتعتبر الفترة من الميلاد حتى سن السابعة هي أخطر الفترات التي يمر بها الطفل في حياته من حيث طبعه وتربيته على نمط ما يستكمل بعده خطى حياته حسب الأسس التي حددت معالم شخصيته ‘مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ'[رواه مسلم]. وعندما يصل الطفل إلى سن التكليف وتبدأ عوامل مجتمعية ونفسية وفسيولوجية في التأثير والضغط عليه فإن الأساليب التربوية يجب أن تتجه إلى منحى آخر لتأخذ شكل الرعاية والإحاطة لتنمية نوازع الخير وتقوية القيم المبثوثة في الجوانب المتعددة في شخصيته بهدف التزكية والارتقاء: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس، الآيتان 10،9]. وتلك مهمة الرسل والمربين لهذه المرحلة (يزكيكم ويطهركم) وهي عملية مشتركة بين المربي واليافع بين الدفع والرفع، بين المغالبة والاستقامة، وهذا يتطلب من الأم أن تتبنى القناعات الجادة لدورها الجديد. إنها في مرحلة الطفولة كانت تضع الأساس، أما الآن فإنها ترفع القواعد وتعلي البنيان  (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) [البقرة، الآية 127]. ويعينها على تلك المسؤولية أن تتزود من محطات الطريق، طريق الله، صراط الذين أنعم عليهم، وهذه المحطات:

1- الاستعانة بالله:

إنها تتعبد الله بإحسان التربية فلتكن على يقين بالله أنها ليست وحدها، فهي ضعيفة في ذاتها، قوية بالله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة، الآية 5].

2-المعرفة:

من أخطر ما نبتلى به في أمتنا نموذج الأم الجاهلة بدورها التربوي، فلم يعد محتملاً في عصر المعلومات المتدفقة (120 مليون معلومة تبث يوميا من الوكالات الست للأنباء في العالم على سبيل المثال) أن نتقبل حتى الحد الأدنى من العلم بخصائص مراحل النمو والتعرف على سمات الشخصية والتعامل مع الفروق الفردية وكذلك المعرفة بأهمية المنهج التربوي ومشتملاته وهذا يتطلب تزويد الأم بتلك المعارف والمهارات حتى ننتقل بها من الأم البيولوجية: (القاسم المشترك بين إناث باقي المخلوقات) إلى الأم الواعية المربية المسؤولة ذات الرسالة الواضحة والأهداف المحددة والغاية الكبرى التي تسعى إليها.

3-الورد التربوي:

وهو مسؤولية كل أم تخصص في الـ 24 ساعة التي تمر عليها وقتًا ثابتًا (وليكن في أول الأمر 15 دقيقة) تقرأ فيهم (3) صفحات فقط من أي مصدر تربوي يعينها على الاستزادة من مساحة المعرفة المطلوبة لتربية أولادها، وهذا القليل الدائم خير من الكثير المنقطع إذا تركت الحبل على الغارب، أحلاماً وأمنيات وتعللات، ومن الممكن لورد المحاسبة الفاعل لدى الأم أن ينبه إلى جدية القيام بالورد التربوي والإفادة منه في الواقع العملي.

4-التعرف على تجارب الآخرين:

سواء كانت إيجابية أو سلبية، ومحاولة الإفادة من النقاط والخطوات الإيجابية في تصرف تربوي ناجح وإسقاطه على واقع الطفل قدر المستطاع. أما التصرفات السلبية التي تصدر من الأطفال الآخرين فيجب الانتباه إلى مصدرها وتتبع أسبابها ومظاهرها والبعد عن تكرارها مع التنبيه إلى آثارها الخطيرة على الطفل والأسرة والمجتمع، (ذات المغزى القرآني في عرض تجارب الأمم والأفراد كي يُستفاد من الدروس الإيجابية ويُتوخى الحذر من موارد الهلاك أو الشقاء لديهم: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) [يوسف، الآية 111].

5-الصحبة الصالحة:

ذلك لأن الأم لا تربي وحدها بمعزل عن الآخرين، إنها تحتاج إلى صحبة طيبة تتدارس معها عالم الأطفال بخصائصهم وسماتهم ومشكلاتهم وتحدياتهم أيضًا.

إن فرصة الخطأ في التفكير أو التقدير أو التطبيق تقل -إلى حد كبير- إذا تعددت الرؤى ذات المنطلق والمبتغى المشترك، كما تنعكس أجواء تلك الصحبة على الطفل ذاته وقد انتمى شعورياً إلى أفراد هذه الصحبة ويتبادل معهم الود، بل ويساعده على عقد صداقات طيبة مع أبنائهم أو معهم ذاتهم، وهذا يتطلب في جيل الأمهات أن يمددن جسوراً من الحب والود والاهتمام بينهن وبين عالم الصغار ويعرفن كيف يتحببن إليهم ويشاركن معهم اهتماماتهم: مواقف الرسول صلى الله عليه و سلم المتعددة مع الأطفال وملاعبتهم والسؤال عنهم ومتابعة مجالات اهتماماتهم: ‘يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُغَيْرُ؟!'[رواه الترمذي].

6-تطوير الذات:

من أهم سمات الإنسان المسلم وخصائصه المرونة والقابلية للتغيير نحو الأفضل، وهذا يوجب على الأم أن تجدد من معارفها التربوية والحياتية أيضا، وتنوع من أساليبها ومهاراتها، وتطور من قدراتها وصفاتها (اللصيقة والمكتسبة) لصالح الرسالة والأمانة التي أنيطت بها.

7-الاستعانة بالمؤثرات الخارجية:

مثل المراكز الإسلامية وأفراد الجالية في المناشط الاجتماعية المختلفة، ولعل من أهم تلك المؤثرات أن تربط الأم بناتها بصديقات أكبر سناً وأكثر نضجاً ممن لديهن صفات (الأم البديلة) من فهم لخصائص وسمات مراحل النمو والتعاطف مع البنات وإبداء الحب والاهتمام بهن، والتعاون على تنفيذ برامج تربوية هادفة من خلالها تؤكد الأم –بطريق غير مباشر- على أولويات تربوية تحاول أن تكسبها بناتها عن طريق تلك الصديقة الناضجة، وكذا الحال مع الأولاد وصداقة الشباب الواعي المتعاون.

هذه بعض المحطات الضرورية للتوقف عندها والتزود منها في المسار التربوي للأم الواعية، وعليها أن تدرك أيضا أن التوفيق في هذا السعي عطاء من الله ورزق كريم يحتاج دوام الاستغفار والتضرع والتجرد لله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ) [النصر، الآية 3]. وأن من أهم ما تسأل الله أن يلهمها إياه: البصيرة والحكمة: (ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة، الآية 269]. وإن من أجلّ مظاهر الحكمة: فهم الطفل وفهم الواقع؛ لتنتقل الأم من فقه النظرية إلى فقه الواقع، وهذا ما يجعلها تفكر: أولادي والواقع الاجتماعي في الغرب، كيف؟!

رابط الموضوع :    http://www.lahaonline.com/articles/view/13724.htm