الإيمان باليوم الآخر فارق أصيل في تربية أبنائنا، بين أن نربيهم على أن يعيشوا ماديين بائسين أو أن يعيشوا مؤمنين راقيين 

فالمؤمنون بالآخرة لايرون الحياة شهوات وزينة فقط ، بل يرونها مزرعة ليوم آخر سيحاسبون فيه على ما قدموا . 

وأبناؤنا إذا رسخ في قلوبهم معنى الإيمان باليوم الآخر ، حذروا مما يجمعون لهذا اليوم ،

وعلموا أن الكذب والخداع والزور والفحش ينقص من إيمانهم، ويزيد في سيئاتهم، فيخفف موازينهم يوم القيامة ويُعرضهم للعذاب والعقاب . 

ففكرة الموت ذاتها إن أحسنا استخدامها في تربية الأبناء كانت كفيلة بتقويم سلوكهم ، فلا توقيت للموت،

 والمرء ينتظره في أي وقت ، ولذلك يجب أن يكون مستعدا لتلك الساعة ، وبالتالي على استعداد للقاء ربه  والحساب،

والنبي ينبهنا في هذا الصدد، للإكثار من ذكر الموت، كجانب تربوي تقويمي للنفوس ،

أكثروا من ذكر هاذم اللذات الترمذي 

كما أن فكرة الموت تقزم ضخامة الدنيا في أعين الأبناء ، وتظهرها على حقيقتها ، وتجعلها دارا للرحيل لا دارا للاقامة،

فينقص من تعلقهم بها , ويكون تعاملهم معها كتعامل المسافر . 

وإذا كان الإصلاح في الدنيا هو في ذاته ثواب ، صارت تربية الأولاد على معرفة حقيقة الدنيا والموت والآخرة،

ليس مدعاة إلى تركها والانطواء عن الحياة ، بل مدعاة إلى الأعمال الصالحة المصلحة،

ومدعاة إلى تعميرها بما يصلح وينصر أمة الإسلام . 

وإذا كان المرء يوم القيامة سيعطى صحيفته ويرى فيها ما قدم وأخر، فإنه سيكون حريصا على كسب الحسنات،

وتقديم النفع للغير، والسعي لمعونة الناس ، والمبادرة إلى تفريج الكربات وتقديم المكرمات .  

إن تربية الابناء على الإيمان بمعنى الخلق والبعث والجزاء ، ليعظم في قلوبهم مقام ربهم سبحانه ، ويربط في نفوسهم تعظيمه،

وشكره وذكره ، ومعاني صفاته واسمائه الحسنى  .  

وهناك رابط قوي للغاية بين التربية على التوحيد ومعناه النقي الطاهر ، وبين النجاة يوم القيامة من العذاب،

و باستيعاب التوحيد والإخلاص لربه يصير من أهل النجاة  .  

وإذا استطعنا بالفعل أن نوقظ في قلوب ابنائنا ونرسخ في أذهانهم معاني اليوم الآخر ، فقد استطعنا أن نبني  لهم شخصيات إيجابية،

واستطعنا أن نبني أسرة مسلمة سليمة و نافعة للأمة  .   

فهي أسرة تبحث عن الفضائل وتقوم بها ، وتهرب من الرذائل وتبتعد عنها ، وليس هذا فحسب،

بل إنها تؤثر في المجتمع المحيط بها عن طريق الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر . 

إن التربية على الإيمان باليوم الآخر لا تقتصر على التلقين الكلامي و التفهيم النظري فقط ، فهو وإن كان أساسيا و ضروريا،

إلا أنه يحتاج إلى التكرار والبيان والتوضيح  .  

أسئلة الأبناء عن اليوم الآخر أيضا يجب استغلالها استغلالا منهجيا في التأكيد على المفاهيم الإيمانية،

بضرب الأمثال والحديث عن أشراط الساعة، بلغة مفهومة مناسبة لهم، تتخلى عن التخويف والتأثير النفسي السلبي وتهتم بالتفهيم والتقبل،

وتضع الترهيب في  موضعه النافع الإيجابي الدافع . 

تحتاج التربية على الإيمان باليوم الآخر أيضا إلى السير به والعيش به ، وتطبيق مفاهيمه  في الحياة،

وكما علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه معاني اليوم الآخر في المواقف الحياتية ،

عندما مر على جدي نافق وشبهه بالدنيا ، وكقوله لصاحبه :”  كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل مسلم  

المعايشة التربوية لمعاني اليوم الآخر هي الأخرى خطوة تربوية نفسية إيجابية في ذلك الجانب،

ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أصحابه عن الدجال حتى ظنوا أنه في سعاف النخل بجوارهم وأنه سيأتيهم،

وأنه قد ذكرهم بالجنة ففرحوا ثم ذكرهم بالنار فبكوا وهكذا  

نستطيع أن نقدم لأبنائنا المنهج الصائب للإيمان باليوم الآخر، بشكل تربوي صالح إن نحن ركزنا على تثبيت معاني الإيمان بذلك اليوم،

وربطناها بتصرفاتهم في الحياة ، وأثر ذلك على رؤيتهم الفكرية والتصورية للكون ، ورؤيتهم التصورية للموت والحياة والمخلوقات،

بحيث تكون إيجابية إصلاحية. واستطعنا أن نقيم في أذهانهم معادلة تجمع بين الزهد في زخرف الدنيا،

وبين الإصلاح فيها والرقي النافع والعمل على تقدم المجتمع والأمة بأجمعها بالعلم والمعرفة والإنجاز .  

إن إيمانهم بالآخرة يحجزهم ويمنعهم من الإنحراف السلوكي والفكري ، كما يمنعهم من الإنبهار بالطغيان المادي،

ويجعل شخصياتهم متوازنة ،كما ينبت الحكمة في نفوسهم ، مع أخلاقيات مهمة كالحلم والأناة والصبر والرضا .

رابط الموضوع الأصلي: http://almoslim.net/node/252801